العرب المستعربة: الجذور، الانتشار، والتأثير في بلاد ما بين النهرين قبل الإسلام وبعده
ضياء أبو معارج الدراجي
المقدمة
العرب المستعربة هم من أبرز المكونات التي ساهمت في تشكيل الهوية العربية القديمة. يعود نسبهم إلى النبي العراقي الكلداني إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، الذي استقر في مكة مع والدته هاجر، وتزوج من قبيلة جرهم العربية، مما جعل نسله جزءًا من العرب الناطقين باللغة العربية. ومع مرور الزمن، انتشرت ذريته في عدة أقاليم، من الحجاز إلى بلاد ما بين النهرين (العراق وسوريا وتركيا حاليا)، حيث استوطنت القبائل العدنانية هذه الأراضي قبل ظهور الإسلام.
يهدف هذا البحث إلى تتبع مسار العرب المستعربة، من جذورهم الإبراهيمية العراقية وانتقالهم إلى مكة، ثم عودتهم وانتشارهم في العراق، مع التركيز على وجودهم في شمال بلاد الرافدين، ودورهم في النزاعات القبلية مثل حرب البسوس، إضافة إلى تحولاتهم الدينية والثقافية حتى الإسلام.
أولًا: مفهوم العرب المستعربة وأصلهم اللغوي
يشير مصطلح "العرب المستعربة" إلى القبائل التي لم تكن تنتمي إلى العرب العاربة ( اليمنيين القدماء)، وإنما تعربت بفعل تبنيها للغة والثقافة العربية. ويُعتقد أن جدهم الأعلى، إسماعيل عليه السلام، هو أول من بدأ هذه العملية عندما استقر في مكة وتعلم العربية من قبيلة جرهم. ومع مرور الوقت، أصبحت ذريته أساس القبائل العدنانية التي انتشرت لاحقًا في الجزيرة العربية وبلاد ما بين النهرين شمال وغرب العراق.
تُعد اللغة العربية العامل الأساسي في دمج العرب المستعربة ضمن القبائل العربية، مما جعلها لغة موحدة وقاسمًا مشتركًا بين مختلف المجموعات القبلية، وساهم في نشر الثقافة العربية في مناطق متعددة.
ثانيًا: انتشار العرب المستعربة في بلاد ما بين النهرين
1. الاستقرار في شمال العراق وديار بكر
مع مرور الزمن، عادت بعض القبائل العدنانية المنحدرة من إسماعيل عليه السلام إلى شمال الجزيرة العربية وبلاد الرافدين، موطنهم الأصلي. وقد استقرت قبائل ربيعة وبكر وتغلب في هذه المناطق، مما أدى إلى تسمية بعض الأقاليم بأسمائهم، مثل:
ديار ربيعة: المنطقة التي استوطنتها قبائل ربيعة العدنانية، وتمتد بين شمال العراق وجنوب تركيا (ديار بكر).
ديار بكر: سميت نسبة إلى قبيلة بكر بن وائل، وهي من أقوى القبائل العدنانية التي استقرت في شمال العراق (تركيا حاليًا).
2. التأثير الثقافي والاجتماعي
ساعد وجود العرب المستعربة في بلاد ما بين النهرين، التي تشمل العراق وسوريا وتركيا حاليًا، على تعزيز الهوية العربية في المنطقة. فقد نقلوا عاداتهم وتقاليدهم ونظمهم الاجتماعية، كما شاركوا في التبادل التجاري مع الحضارات المجاورة مثل الآشوريين والكلدانيين.
ثالثًا: حرب البسوس ودورها في تحديد مناطق العرب المستعربة
1. خلفية الحرب
تُعد حرب البسوس واحدة من أشهر الحروب القبلية في الجاهلية، واستمرت 40 عامًا بين قبيلتي بكر وتغلب، وكلاهما من العرب العدنانيين المستعربة. اندلعت الحرب بسبب مقتل كليب بن وائل، زعيم تغلب، على يد جساس بن مرة من بكر، مما أدى إلى صراع طويل بين القبيلتين.
2. موقع الحرب ودلالاته الجغرافية
وقعت معارك الحرب في مناطق البادية والجزيرة بين العراق وسوريا، مما يدل على أن هذه المناطق كانت مأهولة بالعرب المستعربة قبل الإسلام. وتشير المصادر إلى أن القتال امتد إلى مناطق مثل الأنبار والجزيرة الفراتية، مما يؤكد أن العرب العدنانيين لم يكونوا محصورين في الحجاز، بل كان لهم وجود قوي في بلاد ما بين النهرين.
رابعًا: التحولات الدينية والانتقال إلى الإسلام
1. من الوثنية إلى الديانات السماوية
قبل الإسلام، تنوعت المعتقدات الدينية للعرب المستعربة، حيث كان بعضهم يعبد الأصنام، بينما اعتنق آخرون اليهودية والمسيحية، خاصة في المناطق القريبة من الحواضر الكبرى في العراق وسوريا وتركيا. ومع دخول الإسلام إلى العراق وبلاد الشام، بدأت هذه القبائل بالتحول التدريجي إلى الإسلام، وكان لها دور بارز في نشر الدعوة الإسلامية.
2. ارتباط القبائل المستعربة بالإسلام الشيعي
بعد ظهور الإسلام، وخاصة خلال خلافة الإمام علي عليه السلام، تحول العديد من القبائل المستعربة في العراق إلى الإسلام الشيعي. وبرز هذا التيار أكثر بعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء، حيث أصبح جنوب العراق مركزًا هامًا للتشيع.
لعبت مناطق مثل الكوفة دورًا محوريًا في تعزيز التشيع بين القبائل العدنانية، مما جعلها أحد المراكز المهمة للإسلام الشيعي لاحقًا.
الخاتمة
يتضح من خلال البحث أن العرب المستعربة كانوا جزءًا مهمًا من النسيج الثقافي والديني لبلاد ما بين النهرين (العراق وسوريا وتركيا)، حيث انتشروا في مناطق واسعة مثل ديار ربيعة وديار بكر، وساهموا في تشكيل الهوية العربية قبل وبعد الإسلام. كما أن أحداثًا تاريخية مثل حرب البسوس تعزز الدليل على وجودهم المبكر في هذه المناطق.
مع التحولات الدينية والثقافية، أصبح لهذه القبائل دور مهم في تشكيل الخارطة الإسلامية، خاصة من خلال تبنيهم للإسلام الشيعي في عهد الإمام علي عليه السلام، وبعد معركة الجمل في البصرة ومعركة الطف في كربلاء المقدسة.
كما أن العرب المستعربة في جنوب العراق استمروا بعد الإسلام في تشكيل إمارات قوية،وخصوصا بعد سقوط الدولة العباسية على يد المغول مثل:
إمارة ربيعة
إمارة المنتفج
إمارة كعب
وكان لهذه الإمارات دور سياسي بارز خلال الاحتلال العثماني حتى سقوطه على يد بريطانيا، التي قسمت البلاد وفق اتفاقية سايكس بيكو.
لذلك، فإن العرب الشيعة في جنوب العراق هم أصل من أصول العراق وجزء مهم من نسيجه قبل الإسلام بقرون طويلة. وهم ليسوا كما يدّعي الفكر البعثي الوهابي، الذي يختلق قصصًا تنكر أصولهم لأسباب مذهبية، في محاولة لتهميش حقيقة وجودهم التاريخي الراسخ في العراق منذ العصور القديمة.
ضياء أبو معارج الدراجي